كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، والحاكم وصححه عن حذيفة قال: «أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة وتنتقض عرى الإسلام عروة عروة» الخبر.
{والذين هُمْ عَنِ اللغو} وهو ما لا يعتد به من الأقوال والأفعال، وعن ابن عباس تفسيره بالباطل، وشاع في الكلام الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغاء وهو صوت العصافير ونحوها من الطير: وقد يسمى كل كلام قبيح لغوًا، ويقال فيه كما قال أبو عبيدة لغو ولغا نحو عيب وعاب، وأنشد:
عن اللغا ورفث التكليم

{مُّعْرِضُونَ} في عامة أوقاتهم لما فيه من الحالة الداعية إلى الإعراض عنه مع ما فيهم من الاشتغال بما يعنيهم، وهذا أبلغ من أن يقال: لا يلهون من وجوه، جعل الجملة اسمية دالة على الثبات والدوام، وتقديم الضمير المفيد لتقوى الحكم بتكريره، والتعبير في المسند بالاسم الدال كما شاع على الثابت، وتقديم الظرف عليه المفيد للحصر، وإقامة الإعراض مقام الترك ليدل على تباعدهم عنه رأسًا مباشرة وتسببًا وميلًا وحضورًا فإن أصله أن يكون في عرض أي ناحية غير عرضه.
{والذين هُمْ للزكاة فاعلون} الظاهر أن المراد بالزكاة المعنى المصدري أعني التزكية لأنه الذي يتعلق به فعلهم، وأما المعنى الثاني وهو القدر الذي يخرجه المزكي فلا يكون نفسه مفعولًا لهم فلابد إذا أريد من تقدير مضاف أي لأداء الزكاة فاعلون أو تضمين {فاعلون} معنى مؤدون وبذلك فسره التبريزي إلا أنه تعقب بأنه لا يقال فعلت الزكاة أي أديتها، وإذا أريد المعنى الأول أدى وصفهم بفعل التزكية إلى أداء العين بطريق الكناية التي هي أبلغ، وهذا أحد الوجوه للعدول عن والذين يزكون إلى ما في النظم الكريم.
وجميع ما مر آنفًا في بيان أبلغيةالمطعمون الطعام في السنة ** الأزمة والفاعلون للزكوات

ولم يرد عليه أحد من فصحاء العرب ولا أعابوه، واختار الزمخشري في هذا حمل الزكاة على العين وتقدير المضاف دون الآية، وعلل بجمعها وهو إنما يكون للعين دون المصدر.
وتعقب بأنه قد جاء كثير من المصادر مجموعة كالظنون والعلوم والحلوم والأشغال وغير ذلك، وهي إذا اختلف فالأكثرون على جواز جمعها وقد اختلفت هاهنا بحسب متعلقاتها فإن أخراج النقد غير إخراج الحيوان وإخراج الحيوان غير إخراج النبات فليحفظ.
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} وصف لهم بالعفة وهو وإن استدعاه وصفهم بالإعراض عن اللغو إلا أنه جىء به اعتناء بشأنه، ويجوز أن يقال: إن ما تقدم وإن استدعى وصفهم بأصل العفة لكن جىء بهذا لما فيه من الإيذان بأن قوتهم الشهوية داعية لهم إلى ما لا يخفى وأنهم حافظون لها عن استيفاء مقتضاها وبذلك يتحقق كمال العفة، واللام للتقوية كما مر في نظيره، و{على} متعلق يحافظون لتضمينه معنى ممسكون على ما اختاره أبو حيان والإمساك يتعدى بعلى كما في قوله تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: 37] وذهب جمع إلى اعتبار معنى النفي المفهوم من الإمساك ليصح التفريغ فكأنه قيل حافظون فروجهم لا يرسلونها على أحد إلا على أزواجهم، وقال بعضهم: لا يلزم ذلك لصحة العموم هنا فيصح التفريغ في الإيجاب.
وفي الكشف الوجه أن يقال: ما في الآية من قبيل حفظت على الصبي ماله إذا ضبطه مقصورًا عليه لا يتعداه. والأصل حافظون فروجهم على الأزواج لا تتعداهن ثم قيل غير حافظين إلا على الأزواج تأكيدًا على تأكيد، وعلى هذا تضمين معنى النفي الذي ذكره الزمخشري من السياق واستدعاء الاستثناء المفرغ ذلك ولم يؤخذ مما في الحفظ من معنى المنع والإمساك لأن حرف الاستعلاء يمنعه انتهى وفيه ما فيه.
ويا ليت شعري كيف عد حرف الاستعلاء مانعًا عن ذلك مع أن كون الإمساك مما يتعدى به أمر شائع، وقال الفراء وتبعه ابن مالك وغيره: إن {على} هنا بمعنى من أي إلا من أزواجهم كما أن من بمعنى على في قوله تعالى: {ونصرناه مِنَ القوم} [الأنبياء: 77] أي على القوم، وقيل هي متعلقة بمحذوف وقع حالًا من ضمير {حافظون} والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي حافظون لفروجهم في جميع الأحوال إلا حال كونهم والين وقوامين على أزواجهم من قولك: كان فلان على فلانة فمات عنها، ومنه قولهم: فلانة تحت فلان ولذا سميت المرأة فراشًا أو متعلقة بمحذوف يدل على {غَيْرُ مَلُومِينَ} كأنه قيل يلامزن إلا على أزواجهم أي يلامون على كل مباشر إلا على ما أطلق لهم فإنهم غير ملومين عليه، وكلا الوجهين ذكرهما الزمخشري.
واعترض بأنهما متكلفان ظاهرًا فيهما العجمة، وأورد على الأخير أن إثبات اللوم لهم في أثناء المدح غير مناسب مع أنه لا يختص بهم، وكون ذلك على فرض عصيانهم وهو مثل قوله تعالى: {فَمَنِ ابتغى} [المؤمنون: 7] إلخ لا يدفعه كما توهم؛ ولا يجوز أن تتعلق بملومين المذكور بعد لما قال أبو البقاء من أن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها وأن المضاف إليه لا يعمل فيما قبله.
والمراد مما ملكت أيمانهم السريات، والتخصيص بذلك للإجماع على عدم حل وطء المملوك الذكر، والتعبير عنهم بما على القول باختصاصها بغير العقلاء لأنهن يشبهن السلع بيعًا وشراءً أو لأنهن لأنوثتهن المنبئة عن قلة عقولهن جاريات مجرى غير العقلاء، وهذا ظاهر فيما إذا كن من الجركس أو الروم أو نحوهم فكيف إذا كن من الزنج والحبش وسائر السودان فلعمري إنهن حينئذٍ إن لم يكن من نوع البهائم فما نوع البهائم منهن ببعيد، والآية خاصة بالرجال فإن التسري للنساء لا يجوز بالإجماع، وعن قتادة قال تسرت امرأة غلامًا فذكرت لعمر رضي الله تعالى عنه فسألها ما حملك على هذا؟ فقالت: كنت أرى أنه يحل لي ما يحل للرجال من ملك اليمين فاستشار عمر فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: تأولت كتاب الله تعالى على غير تأويله فقال رضي الله تعالى عنه: لا جرم لا أحلك لحر بعده أبدًا كأنه عاقبها بذلك ودرأ الحد عنها وأمر العبد أن لا يقربها، ولو كانت المرأة متزوجة بعبد فملكته فاعتقته حالة الملك انفسخ النكاح عند فقهاء الأمصار.
وقال النخعي، والشعبي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة: يبقيان على نكاحهما {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} تعليل لما يفيده الاستثناء من عدم حفظ فروجهم من المذكورات أي فإنهم غير ملومين على ترك حفظها منهن.
وقيل الفاء في جواب شرط مقدر أي فإن بذلوا فروجهم لأزواجهم أو إمائهم فإنهم غير ملومين على ذلك، والمراد بيان جنس ما يحل وطؤه في الجملة وإلا فقد قالوا: يحرم وطء الحائض والأمة إذا زوجت والمظاهر منها حتى يكفر وهذا مجمع عليه.
وفي الجمع بين الاختين من ملك اليمين وبين المملوكة وعمتها أو خالتها خلاف على ما في البحر، وذكر الآمدي في الأحكام أن عليًا كرم الله تعالى وجهه احتج على جواز الجمع بين الاختين في الملك بقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم}.
{فَمَنِ ابتغى وَرَاء ذلك} أي المذكور من الحد المتسع وهو أربع من الحرائر وما شاء من الإماء، وانتصاب {وَرَاء} على أنه مفعول {أَبْتَغِى} أي خلاف ذلك وهو الذي ذهب إليه أبو حيان، وقال بعض المحققين: إن {وَرَاء} ظرف لا يصلح أن يكون مفعولًا به وإنما هو سادس مسدًا لمفعول به، ولذا قال الزمخشري: أي فمن أحدث ابتغاء وراء ذلك {فَأُوْلَئِكَ هُمُ العادون} الكاملون في العدوان المتناهون فيه كما يشير إليه الإشارة والتعريف وتوسيط الضمير المفيد لجعلهم جنس العادين أو جميعهم، وفي الآية رعاية لفظ {مِنْ} ومعناها ويدخل فيما وراء ذلك الزنا واللواط ومواقعة البهائم وهذا مما لا خلاف فيه.
واختلف في وطء جارية أبيح له وطؤها فقال الجمهور: هو داخل فيما وراء ذلك أيضًا فيحرم وهو قول الحسن وابن سيرين. وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فقد أخرج ابن أبي شيبة. وعبد الرزاق عنه أنه سئل عن امرأة أحلت جاريتها لزوجها فقال: لا يحل لك أن تطأ فرجًا أي غير فرج زوجتك إلا فرجًا إن شئت بعت وإن شئت وهبت وإن شئت اعتقت، وعن ابن عباس أنه غير داخل فلا يحرم، فقد أخرج عبد الرزاق عنه رضي الله تعالى عنه قال: إذا أحلت امرأة الرجل أو ابنته أو أخته له جاريتها فليصبها وهي لها وهو قول طاوس، أخرج عنه عبد الرزاق أيضًا أنه قال: هو أحل من الطعام فإن ولدت فولدها للذي أحلت له وهي لسيدها الأول، وأخرج عن عطاء أنه قال: كان يفعل ذلك يحل الرجل وليدته لغلامه وابنه وأخيه وأبيه والمرأة لزوجها وقد بلغني أن الرجل يرسل وليدته لصديقه وإلى هذا ذهبت الشيعة، والآية ظاهرة في رده لظهور أن المعارة للجماع ليست بزوجة ولا مملوكة وكذا قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَن لا تَعْدِلُواْ فواحدة أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانكم} [النساء: 3] فإن السكوت في معرض البيان يفيد الحصر خصوصًا إذا كان المقام مقتضيًا لذكر جميع ما لا يجب العدل فيه، وفي عدم وجوب العدل تكون العارية أقدم من الكل إذ لا يجب فيها ألا تحمل منة مالك الفرج فقط وكذا قوله سبحانه: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم} [النساء: 25] إلى قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ العنت مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [النساء: 25] فإنه لو جازت العارية لما كان خوف العنت والحاجة إلى نكاح الإماء وإلى الصبر على ترك نكاحهن متحققًا، ونحوه قوله سبحانه: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} [النور: 33] فإنه لو كانت العارية جائزة لم يؤمر الذين لا يجدون نكاحًا بالاستعفاف، ولعل الرواية السابقة عن ابن عباس غير صحيحة، وكذا اختلف في المتعة فذهبت الشيعة أيضًا إلى جوازها، ويرد عليهم بما ذكرنا من الآيات الظاهرة في تحريم العارية، وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه عن القاسم بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هي محرمة في كتاب الله تعالى وتلا: {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون} [المؤمنون: 5] الآية وقرر وجه دلالة الآية على ذلك أن المستمتع بها ليست ملك اليمين ولا زوجة فوجب أن لا تحل له أما أنها ليست ملك اليمين فظاهر وأما أنها ليست زوجة له فلأنهما لا يتوارثان بالإجماع ولو كانت زوجة لحصل التوارث لقوله تعالى: {وَلَكُمْ تَصِفُ مَا تَرَكَ أزواجكم} [النساء: 12] وتعقبه في الكشف بأن لهم أن يقولوا: إنها زوجة يكشف الموت عن بينونتها قبيله كما أنها تبين بانقضاء الأجل قضاءً لحق التعليق والتأجيل، وحاصله منع استفسار في الملازمة إن أريد لو كانت زوجة حال الحياة لم يفد وإن أريد بعد الموت فالملازمة ممنوعة فإن قيل: لا تبين بالموت كالنكاح المؤبد.